فصل: مقتل المتوكل وبيعة المنتصر ابنه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل المتوكل وبيعة المنتصر ابنه.

كان المتوكل قد عهد إلى ابنه المنتصر ثم ندم وأبغضه لما كان يتوهم فيه من استعجاله الأمر لنفسه وكان يسميه المنتصر والمستعجل لذلك وكان المنتصر تنكر عليه إنحرافه عن سنن سلفه فيما ذهبوا إليه من مذهب الاعتزال والتشيع لعلي وربما كان الندمان في مجلس المتوكل يفيضون في ثلث علي فينكر المنتصر ذلك ويتهددهم ويقول للمتوكل: إن عليا هو كبير بيننا وشيخ بني هاشم فإن كنت لا بد ثالبه فتول ذلك بنفسك ولاتجعل لهؤلاء الصفاغين سبيلا إلى ذلك فيستخف به ويشتمه ويأمر وزيره عبيد الله بصفعه ويتهدده بالقتل ويصرح بخلعه وربما استخلف ابنه الحبر في الصلاة والخطبة مرارا وتركه فطوى من ذلك على النكث وكان المتوكل قد استفسد إلى بغا ووصيف الكبير ووصيف الصغير ودواجن فأفسدوا عليه الموالي وكان المتوكل قد أخرج بغا الكبير من الدار وأمره بالمقام بسميساط لتعهد الصوائف فسار لذلك واستخلف مكانه ابنه موسى في الدار وكان ابن خالة المتوكل واستخلف على الستر بغا الشرابي الصغير ثم تغير المتوكل لوصيف وقبض ضياعه بأصبهان والجبل وأقطعها الفتح بن خاقان فتغير وصيف لذلك وداخل المنتصر في قتل المتوكل وأعد لذلك جماعة من الموالي بعثهم مع ولده صالح وأحمد وعبد الله ونصر وجاؤا في الليلة اتعدوا فيها وحضر المنتصر ثم انصرف على عادته وأخذ زرافة الخادم معه وأمر بغا الشرابي الندمان بالانصراف حتى لم يبق إلا الفتح وأربعة من الخاصة وأغلق الأبواب إلا باب دجلة فأدخل منه الرجال وأحسن المتوكل وأصحابه بهم فخافوا على أنفسهم واستماتوا وابتدروا إليه فقتلوه وألقى الفتح نفسه عليهم ليقيه فقتلوه وبعث إلى المنتصر وهو ببيت زرافة فأخبره وأوصى بقتل زرافة فمنعه المنتصر وبايع له زرافة وركب إلى الدار فبايعه من حضر وبعث إلى وصيف إن الفتح قتل أبي فقتلته فحضر وبايع وبعث عن أخويه المعتز والمؤيد فحضرا وبايعا له وانتهى الخبر إلى عبيد الله بن يحيى فركب من ليله وقصد منزل المعتز فلم يجده واجتمع عليه آلاف من الأزد والأرمن والزواقيل وأغروه بالحملة على المنتصر وأصحابه فأبى وخام عن ذلك وأصبح المنتصر فأمر بدفن المتوكل والفتح وذلك لأربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين وشاع الخبر بقتل المتوكل فثار الجند وتبعهم وركب بعضهم بعضا وقصدوا باب السلطان فخرج إليهم بعض الأولياء فأسمعوه ورجع فخرج المنتصر بنفسه وبين المغاربة فشردوهم عن الأبواب فتفرقوا بعد أن قتل منهم ستة أنفس.

.الخبر عن الخلفاء من بني العباس أيام الفتنة وتغلب الأولياء وتضايق نطاق الدولة باستبداد الولاة في النواحي من لدن المنتصر إلى أيام المستكفي.

كان بنو العباس حين ولوا الخلافة قد امتدت إيالتهم على جميع ممالك الإسلام كما كان بنو أمية من قبلهم ثم لحق بالأندلس من فل بني أمية من ولدها هاشم بن عبد الملك حافده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ونجا من تلك الهلكة فأجاز البحر ودخل الأندلس فملكها من يد عبد الرحمن بن يوسف الفهري وخطب للسفاح فيها حولا ثم لحق به أهل بيته من المشرق فعزلوه في ذلك فقطع الدعوة عنهم وبقيت بلاد الأندلس مقتطعة من الدولة الإسلامية عن بني العباس ثم لما كانت وقعة فتح أيام الهادي علي بن الحسن بن علي سنة تسع وتسعين ومائة وقتل داعيتهم يومئذ حسين ابن علي بن حسن المثنى وجماعة من أهل بيته ونجا آخرون وخلص منهم إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب الأقصى وقام بدعوته البرابرة هنالك فاقتطع المغرب عن بني العباس فاستحدثوا هنالك دولة لأنفسهم ثم ضعفت الدولة العباسية بعد الاستحفال وتغلب على الخليفة فيها الأولياء والقرابة والمصطنعون وصار تحت حجرهم من حين قتل المتوكل وحدثت الفتن ببغداد وصار العلوية إلى النواحي مظهرين لدعوتهم فدعا عبد الله الشيعي سنة ست وثمانين ومائتين بأفريقية في طامة لعبيد الله المهدي بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسمعيل بن جعفر الصادق وبايع له وانتزع أفريقية من يد بني الأغلب استولى عليها وعلى المغرب الأقصى ومصر والشام واقتطعوا سائر هذه الأعمال عن بني العباس واستحدثوا له دولة أقامت مائتين وسبعين سنة كما يذكر في أخبارهم ثم ظهر بطبرستان من العلوية الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ويعرف بالداعي خرج سنة خمسين ومائتين أيام المستعين ولحق بالديلم فأسلموا على يديه وملك طبرستان ونواحيها وصار هنالك دولة أخذها من يد أخيه سنة احدى وثلثمائة الأطروش من بني الحسين ثم من بني على عمر داعي الطالقان أيام المعتصم وقد مر خبره واسم هذه الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر وكانت لهم دولة وانقرضت أيام الحسين واستولى عليها الديلم وصارت لهم دولة أخرى وظهر باليمن الرئيس وهو ابن إبراهيم طباطبا بن إسمعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى فأظهر هنالك دعوة الزيدية وملك صعدة وصنعاء وبلاد اليمن وكانت لهم هنالك دولة ولم تزل حتى الآن وأول من ظهر منهم يحيى بن الحسين بن القاسم سنة تسعين ومائتين ثم ظهر أيام الفتنة من دعاة العلوية صاحب الزنج أدعى أنه أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدي وطعن الناس في نسبه فأدعى أنه من ولد يحيى بن زيد قتيل الجوزجان وقيل إنه انتسب إلى طاهر بن الحسين بن علي والذي ثبت عند المحقيقين أنه علي بن عبد الرحيم بن عبد القيس فكانت له ولبنيه دولة بنواحي البصرة أيام الفتنة قام بها الزنج إلى أن انقرضت على يد المعتضد أيام السبعين ومائتين ثم ظهر القرظ بنواحي البحرين وعمان فسار إليها من الكوفة سنة تسع وسبعين أيام المعتضد وانتسب إلى بني إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق دعوى كاذبة وكان من أصحابه الحسن الجمالي وزكرونة القاشاني فقاموا من بعده بالدعوة ودعوا لعبد الله المهدي وغلبوا على البصرة والكوفة ثم انقطعوا عنها إلى البحرين وعمان وكانت لهم هنالك دولة انقرضت آخر المائة الرابعة وتغلب عليهم العرب من بني سليم وبني عقيل وفي خلال ذلك استبد بنو سامان بما وراء النهر آخر الستين ومائتين وأقاموا على الدعوة إلا أنهم لا ينفذون أوامر الخلفاء وأقامت دولتهم إلى آخر المائة الرابعة ثم اتصلت دولة في مواليهم بغزنة إلى منتصف المائة السادسة وكانت للأغالبة بالقيروان وأفريقية دولة أخرى بمصر والشام بالاستبداد من لدن الخمسين والمائتين أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بني طفج إلى الستين والثلثمائة وفي خلال هذا كله تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحي السواد والجزيرة فقط إلا أنهم قائمون ببغداد على أمرهم ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحي وملكوا الأعمال ثم ساروا إلى بغداد وملكوها وصيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفي أعوام الثلاثين والثلثمائة وكانت من أعظم الدول ثم أخذها من أيديهم السلجوقية من الغز إحدى شعوب الترك فلم تزل دولتهم من لدن القائم سنة أربعين وأربعمائة إلى آخر المائة السادسة وكانت دولتهم من أعظم الدول في العالم وتشعبت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء من بني العباس آخرا في هذا النطاق الضيق ما بين دجلة والفرات وأعمال السواد وبعض أعمال فارس إلى أن خرج التتار من مفازة الصين وزحفوا إلى الدولة السلجوقية وهم على دين المجوسية وزحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم وانقرض أمر الخلافة وذلك سنة ست وخمسين وستمائة ثم أسلموا بعد ذلك وكانت لهم دولة عظيمة وتشعبت عنها دول لهم ولأشياعهم في النوحي وهي باقية لهذا العهد آخذه في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه.